الخميس، 1 مارس 2012

رجال من المريخ ونساء من الزهرة







في شهر مايو من عام 1995 نشرت أول نسخة من كتاب "رجال من المريخ ونساء من الزهرة" من تأليف جون جراي، خبير التواصل الأمريكي، الذي قضى وقتاً طويلاً كمعالج نفسي يُساعد الأزواج على تخطي المشاكل التي تواجههم ليجمع خلاصة خبرته وملاحظاته في ذلك الكتاب الشيق والمفيد، والذي أحدث ضجة وتغييراً في شكل العلاقات الزوجية، ليتم طبعه في خمس وأربعين لغة مختلفة، وبيع أكثر من أربعين مليون نسخة حول العالم، إلى جانب تربّعه على قائمة مبيعات كتب التنمية الذاتية والعلاقات حتى يومنا هذا.


يبدأ جون كتابه بفرضية مثيرة وخيالية: أنه في الأصل كان النساء يعيشون على كوكب الزهرة؛ حيث كانت حياتهم مختلفة تماماً عن حياة الكائنات المعمّرة لكوكب المريخ وهم الرجال، ثم يستعرض نمط الحياة والسلوكيات على كل من الكوكبين قبل أن ينزلوا إلى كوكب الأرض، ويختلطوا متناسيين كمّ الاختلافات فيما بين الجنسين لتبدأ المشاكل في الظهور.



ببساطة يحاول جون هنا أن ينبهنا إلى الاختلافات بين الجنسين التي بتجاهلها أو بالجهل بطبيعتها؛ فإننا ندمّر علاقاتنا بافتراض أننا متشابهون في السلوكيات وردود الفعل؛ بينما الواقع أننا مختلفون.



الكتاب يمتلئ بالأمثلة شديدة الواقعية والتي توضّح ماهية تلك الفروق وكيفية تفهّمهما لجعل حياتنا أسهل.



الفروق الكبيرة:استخدام اللغة وطريقة التعبير


عند كل من شعبي الزهرة والمريخ تعبيرات مختلفة تماماً؛ فبينما تميل النساء للتعميم "إننا لا نخرج أبداً سوياً" يميل الرجال للتحديد "لقد ذهبنا للسينما الخميس الماضي"، وحين تقول المرأة "أشعر أنني وحيدة.. أنت مشغول طول الوقت"؛ فهي تعني "أنا أحبك وأفتقدك وأحتاج لقضاء بعض الوقت معك"؛ في حين أن ما يفهمه الرجل المريخي من جملتها هو "أنا تعيسة معك أنت لا فائدة منك ولم تحقق لي ما كنت أتمنّاه"؛ فينقلب إلى الدفاع، ويتحوّل الموقف إلى مشاجرة؛ فقط لأن كلاً منهما يتكلّم لغة مختلفة ولا يتفهّم لغة الآخر، وتفهّم تلك اللغة الأخرى هو المدخل لفهم باقي الاختلافات.


التعامل مع الضغوط: الحاجة للعزلة والحاجة للحديث


يحدّثنا جون جراي أنه على كوكب الزهرة حين كانت المرأة تشعر بالضيق؛ فإنها تجمع أفراد القبيلة وتقوم بالحديث عما يضايقها؛ فالكلام عن المشكلة بالنسبة لها كالتفكير بصوت عالٍ، وبعد عرض المشكلة من جميع جوانبها والكثير من التعاطف من أخواتها في القبيلة تشعر بتحسّن؛ حتى وإن لم تختفِ المشكلة؛ فالمرأة حين تتحدّث عن مشكلة لا تبحث عن حل، فالحديث في حد ذاته يجعلها قادرة على مواجهة الموقف.


هي فقط تحتاج للتعاطف والمساندة؛ فإذا اشتكت زوجتك من شيء ما لا تحاول إعطاءها حلولاً؛ فهذا آخر شيء تريده منك، فقط استمع لما تقول, هزّ رأسك بتفهّم وأعطِ إشارات صوتية مثل: نعم, ها, حقاً, يا إلهي, معقولة؟



تفاعل معها واجعلها تشعر أنك تفهم معاناتها، وأنها محبوبة.. وستشعر على الفور كم سيعني لها ذلك.



على عكس الرجل؛ ففي كوكب المريخ حين كان الرجل المريخي يُواجه مشكلة؛ فإنه يدخل إلى كهفه وينعزل إلى أن يخرج وفي ذهنه حل المشكلة؛ فالرجل لا يتحدّث عن المشكلة إلا إذا كان يطلب لها حلاً؛ فإذا لمستِ زوجك متغيراً وسألتِه عما يزعجه وجاء ردّه "لا شيء"؛ فإن ذلك لا يعني أنه يبعدك عن حياته، ولا يعني أنه قد توقّف عن حبك؛ فترجمة تلك الجملة هي "عندي مشكلة صغيرة، ولكني قادر على مواجهتها.. شكراً على سؤالك.. أنا فقط أحتاج لبعض الوقت لأتخلص من توتري وأتعامل معها".



لا تقتحمي كهف الرجل حين يحتاج للانسحاب؛ فأنتِ بذلك ترفعين مستوى الضغط عليه, اتركيه ينسحب قليلاً وابحثي عما يشغلك في تلك الفترة، وسيقدّر لك تفهّمك ويخرج من كهفه أسرع.



طريقة حساب نقاط الحسنات


هناك اختلاف آخر يسبب الكثير من سوء الفهم, وهو كيف يحسب كل من الجنسين النقاط لبعضهم البعض؛ فالنساء يحسبن كل فعل لطيف وكل هدية بنقطة واحدة؛ بينما يعطي الرجل درجات مختلفة تبعاً لنوع الفعل وحجمه.


وعدم فهم تلك الطريقة المختلفة في الحساب يجعل ميزان النقاط يختلّ في نقطة ما؛ فيشعر أحدهما -الرجل أو المرأة- أنه يقدّم أكثر مما يأخذ بكثير؛ فيبدأ سوء الفهم والمشاكل.



فمثلاً إذا أهدى الرجل زوجته سيارة؛ فإنه قد يحسب الهدية الكبيرة تلك بـ20 نقطة يعوّل عليها طويلاً، ويظنّ أن رصيد حسناته لديها كافٍ لوقت طويل؛ بينما يحسب مساعدتها في غسيل الأواني بنقطتين, أما المرأة فتحسب نقطة واحدة في الحالتين؛ فبدلاً من أن تفاجأ بثورتها احرص من البداية على أن تعطي زوجتك نقاطاً يومية: أهدها وردة, اكتب كلمة حب, حضّر الطعام يوم إجازتك.. إلخ.



ولا تظن أن فعلاً واحداً كبيراً سيعفيك من الأشياء الصغيرة؛ لأنه عند حبيبتك سيظلّ فعلاً واحداً يساوي نقطة واحدة.
ولتعلمي أن زوجك يقدّر بعض الأفعال أكثر من الأخرى ويعطيها نقاطاً أعلى تثقل رصيدك في قلبه؛ فحين تغفرين له خطأ كبيراً, أو تتفهمي ثورة غضب غير محسوبة؛ فإن ذلك قد يزيد درجاتك 50 نقطة كاملة؛ فاحرصي أن تتفهمي طبيعة زوجك، ولتتعلمي ما الذي يقيّمه من أفعال أكثر من الأخرى.



حقيقة الكتاب مفيد للغاية لتنمية التواصل ما بين الجنسين وينصح به لكل المتزوجين حديثاً أو من يستعدون للزواج؛ فهو يوفّر دليلاً رائعاً لكل من الرجل والمرأة لتفهّم الاختلافات فيما بينهم لتفادي سوء التفاهم والارتباك اللذين قد يواجهانه في حالة جهلهم بتلك الاختلافات التي قد تثري حياتنا وتجعلها أجمل، وقد تحوّلها إلى جحيم من المشاجرات.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق