الخميس، 1 مارس 2012

دور التربيه الاسلاميه فى تنميه القدرات العقليه



دور التربية الإسلامية في تنمية القدرات العقلية - رباب عرابي

نحمده سبحانه ونستغفره ونستهديه؛ حمداً يليق بكماله وجلاله، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وكرّمه على الخلائق أجمعين بنعمة العقل الذي نال به تشريف حمل أمانة التكليف؛ هذه النعمة التي إذا أُحسِن استخدامها وتنمية قدراتها مع استرشادها ببصائر الوحي يتحقق في إنسان التربية قوله تعالى:" يؤتي الحكمة من يشآء ومن يؤتَ الحكمةَ فقد أُوتيَ خيراً كثيراً وما يذَّكَّرُ إلاّ أٌولواْ الألباب "(1).

يأتي الاهتمام بالعقل وقدراته التي هي بمعنى" القدرة على التنبؤ بما وراء الأعمال الظاهرة والتحقق من جوهر الحقائق والوقائع المحيطة تحققاً يفيد في السلامة المادية عبر سلسلة من الوقائع والأحداث المستقبلية. لكن العقل لا يكون فعالاً ناجحاً إلا إذا كان واعياً بحقيقة الإنسان ومكانته وانتمائه، فإذا فقد هذا الوعي عجز عن النفاذ إلى جوهر الأفكار والآراء وإدراك الحقيقة "(2)، من أجل استخدام الوسائل التربوية المناسبة لتنمية قدرات هذا العقل وتزكية أدواته بحيث يُحسِن استخدام وسائل الحياة والاستفادة من بصائر الوحي التي تحدد غايات الحياة؛ مما جعل الحكمة مرتبطة ب" أولواْ الألباب "- أصحاب العقول النيرة والحواس السليمة- والحكمة هي" القدرة على اكتشاف السنن والقوانين التي تنظم ظواهر الكون والحياة، ثم تحويل هذه السنن والقوانين إلى تطبيقات عملية في مختلف ميادين الحياة "(3). لذلك كانت الإشارة القرآنية لمن يؤتَ الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً، وهي المرحلة التي تحقق هدف الرسالة على الوجه الأمثل لقوله تعالى" هو الذي بعث في الأُميين رسولاً منهم يتلواْ عليهم ءاياته ويُزكّيهم ويُعلِّمُهُمُ الكتابَ والحكمةَ وإن كانواْ من قبل لفي ضلالٍ مُبين "(4).

العقل لغةً: كما في" لسان العرب ": الحِجْر والنُّهى ضد الحمق، والجمع عقول، ورجل عاقل: هو الجامع لأمره ورأيه مأخوذ من عقَلت البعير إذا جَمعت قوائمه. وقيل العاقل الذي يحبس نفسه ويردُّها عن هواها، والعقل القلب، والقلب العقل، وسمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك؛ أي يحبسه. وقيل العقل هو التمييز بين الإنسان من سائر الحيوان، والقلب: هو تحويل الشئ عن وجهه. ومن خلال النظر في المعنى القرآني للقلب كما في قوله تعالى(5):" إنَّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد "، قال: لمن كان له قلب يعقل ما قد سمع من الأحاديث التي ضرب الله بها من عصاه من الأمم، والقلب في هذا الموضع العقل، وهو من قولهم ما لفلان قلب وما قلبه معه أي ما عقله معه.

وفي " فتح القدير للشوكاني "(6): لمن كان له قلب؛ أي عقل، قال الفراء: وهذا جائز في العربية تقول ما لك قلب وما قلبك معك أي: ما لك عقل وما عقلك معك، وقيل المراد القلب نفسه؛ لأنه إذا كان سليماً أدرك الحقائق وتفكر كما ينبغي.

لم يرد لفظ العقل كمصدر في القرآن الكريم مطلقاً ولكن ورد فعل العقل بمختلف اشتقاقاته ليدل على الجانب المعرفي في الإنسان المتعلق بالفهم والتفكير والإدراك والتمييز بين الخير والشر، وقد اختلف علماء المسلمين حول محل العقل؛ " فقال أبو حنيفة: محل العقل الدماغ، وذهب الشافعي إلى أن محله القلب، واستدل بقوله تعالى" فتكونَ لهم قلوب يعقلون بها "، غير أن ابن القيم يرى أن أصله ومادته القلب، وينتهي إلى الدماغ، بينما ابن تيمية يرى أن العقل في لغة المسلمين عرض من الأعراض، قائم بغيره وهو غريزة وقوة في النفس أو هو علم أو عمل بالعلم، ويضيف في كتابه إن اسم العقل عند المسلمين وجمهور العقلاء إنما هو صفة، وهو الذي يسمى عرضاً قائماً بالعاقل، وعلى هذا دلّ القرآن في قوله تعالى" لعلّكم تعقلون"، وقوله " أفلم يسيروا في الأرض فتكونَ لهم قلوب يعقلون بها "، وقوله" قد بيّنّا لكُمُ الآياتِ لعلّكم تعقلون "، ونحو ذلك مما يدل على أن العقل مصدر عقل يعقل عقلاً وإذا كان كذلك فالعقل لا يسمى به مجرد العلم الذي يعمل به صاحبه ولا العمل بلا علم، بل إنما يسمى به العلم الذي يعمل به والعمل بالعلم، ولهذا قال أهل النار:"وقالوا لو كنّا نسمعُ أو نعقلُ ما كنّا في أصحاب السّعير"(7).

وقد أحصى الذين عنوا بأفعال العقل بالقرآن الكريم فكانت" نحواً من خمسين مرة، وخص القرآن بالذكر" أولي الألباب في ستة عشر موضعاً، كما ذكر أولي النهى والحجر، وأصحاب الفهم والعلم والتدبر والإدراك، وأهل النظر، والبصر والبصيرة والرشاد، وما إلى ذلك من الألفاظ التي تحث الإنسان على أن يستخدم مواهبه في معرفة حقائق الأشياء حتى يغدو العقل عند صاحبه ميزاناً حساساً يفرق به بين الحق والباطل وبين الخير والشر"(8). كما أن التوجيه القرآني للإنسان لإعمال عقله وتحريره مما يدفعه للتفكر فيما خلق الله وفيما أنزل، ولمعرفة الحقائق العلمية، والنظر في أحوال الأمم الماضية للوصول إلى السنن الاجتماعية؛ وبهما يكمل التوحيد في الإيمان، ومنها قوله تعالى" إنَّ في خلق السماواتِ والأرضِ واختلافِ الليلِ والنَّهار لآياتٍ لأولي الألباب الّذين يذكرونَ الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلقِ السماواتِ والأرضِ ربَّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سُبحانك فقِنا عذابَ النَّار "(9)، فارتبطت وظيفة اللب بالتفكُر وهو دوام التأمل والمراقبة والمقارنة في ظواهر الطبيعة المختلفة؛ "فإذا كان اللب في اللغة خالص كل شئ، فيمكننا القول إنه في القرآن ذروة التفكير، ومناط الحكمة، وأساس التمييز، وينبوع الإيمان واليقين، وهو عقل متميز إذن وليس عقلاً عادياً، بل هو عقل الصفوة من الناس والنخبة من المفكرين والذين وهبوا الحكمة "(10)؛ أي بمعنى العقل الخالص من الشوائب وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان، وقيل ما زكى من العقل، فكل لب عقل وليس كل عقل لباً ولهذا علّق الله تعالى الأحكام التي لا يدركها إلاّ العقول، ومن الألفاظ أيضاً الفكر نحو قوله:" لعلهم يتفكرون "، والنظر:" انظروا ماذا في السماوات "، وأصل النظر بالبصر بالإقبال نحو المبصر، والنظر بالقلب بمعنى البصيرة وهي الإقبال بالفكر نحو:" إنَّ الّذين اتّقواْ إذا مسّهم طآئف من الشيطانِ تذكَّرواْ فإذا هم مُّبصرون "، والحجر:" هل في ذلك قسم لذي حجر "، والرشد:" فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون "، والتذكر لقوله:" ويبيّنُ ءاياته للنّاس لعلّهم يتذكرون "، والفقه:"انظر كيف نُصرِّفُ الآياتِ لعلّهم يفقهون "، هذه الألفاظ تناولها بعض العلماء ضمن مفهوم القدرات العقلية.

تعريف القدرة: تأتي" بمعنى الطاقة، وهذه يشترك بها الإنسان والحيوان والجماد، وقدرة تسخيرية: وهي القدرة على تسخير طاقات المخلوقات المحسوسة في الكون طبقاً للقوانين التي تنظم وجود هذه المخلوقات ولما تمليه حاجات الإنسان في البقاء والرقي. والقدرة التسخيرية: هي ثمرة تزاوج القدرات العقلية الناضجة مع الخبرات الدينية والاجتماعية والكونية المربية. أي أن القدرة التسخيرية تولد من خلال النظر العقلي السليم في تاريخ الأفكار والأشخاص والأحداث والأشياء والإحاطة بنشأتها ثم تطورها وواقعها "(11).

أما القلب فكما ورد في التعريف اللغوي لكلمة العقل فإنها تستخدم باللغة العربية للدلالة على القلب أيضاً حسب المعنى القرآني لآيات تشير إلى أعمال العقل والتفكر مثل قوله تعالى" أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوبٍ أقفالها "(12)، وقوله" لهم قلوبٌ لاَّ يفقهون بها ولهم أعينٌ لاَّ يبصرون بها "(13).

ويرى ابن القيم" أن للقلب جندين: جند يرى بالأبصار، وجند يرى بالبصائر؛ فالذي يرى بالأبصار هي أعضاء الجسد وهي مطيعة له. . أما الجند التي ترى بالبصائر فهي ما ركب بالقلب من الإرادة والغضب والشهوة "(14)، وفي الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم" وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "(15)، والإشارة هنا إلى القلب"سببها أن للقلب قوتين: قوة الفكر وقوة الإرادة "(16)، وتعرّف قوة الإرادة بأنها" قوة المشيئة والاختيار، وهي قوة خلقها الله في الإنسان لتحركه نحو إنجاز الأهداف التي تشهدها القدرات العقلية "(17)، هاتان القوتان هما حلقات السلوك التي تظهر من خلال ميادين ثلاث: الفكر، والإرادة، والممارسة بواسطة الأعضاء؛ التي يكون بها كسب الإنسان وترجمة نيته إلى عمل إما صالح يثاب عليه، أو عمل سوء يحاسب عليه، دلّ عليها قوله تعالى" كلُ نفس بما كسبت رهينة "(18)، وأعمال النفس تشمل الظاهرة والباطنة.

وضّح هذا المعنى الدكتور ماجد الكيلاني في محاضرة له بتاريخ 27/4/2008م، بأن للقلب قدرتين: القدرة العقلية وهي قوة شهود الأشياء بمعنى هي الخاصة بالبصيرة، وقوة الإرادة وهي قوة دافعة للعمل وهي خاصة بالشهوات وتحريك الدوافع وتحقيق الإنجاز، من خلال السابق نصل إلى نتيجة مفادها أن القدرات العقلية تحتاج إلى خبرات دينية واجتماعية وكونية مربية كما يذكر"الدكتور الكيلاني "، والهدف من تنمية القدرات العقلية يبدأ بدرجة الاستفادة من الحواس التي هي منافذ العقل أو القلب كما ورد سابقاً، لأن فعل العقل ليس كائناً مستقلاً بل هو من أفعال القلب؛ فإحسان استخدام هذه الحواس التي هي أدوات المعرفة يتحقق النظر المُبصر في ميادين المعرفة وهي في الأنفس والآفاق، وفي المكونات والمخلوقات، وفي الأفكار والقيم، لذلك جاء التعبير القرآني موضحاً المعنى في قوله:" لهم قلوب لاَّ يفقهون بها ولهم أعين لاّ يُبصرونَ بها ولهم ءاذان لاّ يسمعونَ بها أُولئك كالأنعامِ بل هم أضلُّ أولئك هُمُ الغافلون "(19).

تصنيف القدرات العقلية

وردت القدرات العقلية حسب الإشارات القرآنية في كتاب" أهداف التربية الإسلامية "(20) بقدرة العقل، وقدرة التأويل، وقدرة التدبر، وقدرة الفقه، وقدرة التفكر، وقدرة التذكر، وقدرة النظر، وقدرة الشهود، وقدرة الإبصار، وقدرة الحكمة. ف" قدرة العقل " تشير قرائنها إلى أنها القدرة على خزن المعلومات واسترجاعها وتوظيفها عند الحاجة إليها، وهي شاملة لكل القدرات. أما " قدرة التأويل " فقد اقترنت في القرآن بالقدرة على إدراك التطبيقات العملية التي تقابل التقريرات النظرية أو بالعكس، وأما " قدرة التدبر " فقد اقترنت الإشارة إليها بالقدرة على الربط بين المقدمات والنتائج واكتشاف الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج، وأما " التفكر " فهو قدرة تشير إلى استعمال المهارات العقلية كلها للوصول إلى الحقيقة، أما " التذكر " فهو قدرة عقلية تشير إلى القدرة على استرجاع الخبرة ورؤية جانب الصواب فيها.

ويصف الدكتور مصطفى عبده(21) العقل بأنه القوة التي يدرك بها الإنسان كل مدركاته وبه افترق عن سائر الكائنات، وأن للعقل وجوداً حقيقياً في الإنسان، وليس للعقل مكان في الجسم، والعقل طاقة حيوية تحل في الجسم، ويستخدم المخ بالقوة القائمة في النفس، والعقل فطرة في الإنسان وقابل للتطور والتجريب والتدريب وينمى بالاكتساب، ويعمل لهدف مقصود من خلال الإرادة. ليس للعقل جسم أو مادة، فهو شئ آخر لا مادة له إنه تلك الطاقة الحيوية العارفة، أما تلك التي يحملها الإنسان فوق كتفيه، والحيوان في مقدمة رأسه، والنبات في أعماقه، إنما هي أجهزة ذلك العقل. هذه الطاقة كامنة في النواة في كل خلايا الكائنات الحية حتى تنمو وتزهر ثم تثمر حتى تصفر وتصير حطاماً، وهي كامنة في أعماق الحيوان كقوة غريزية، وهكذا الإنسان يستخدم قواه المفطورة فيه من النطفة الأولى حتى انفصاله عن المشيمة وتستمر معه كقوة عقلية تتنازعه قوتان باطنية وظاهرية ومن خلالها يشرق العقل الإنساني فتتكون العقول الثلاثة من تلك القوة المفطورة في الإنسان، وللعقل ثلاثة قوى، لكل قوة ثلاثة قدرات:

1. القوة الواعية تحوي: الشهود والنظر والتفكير.

2. القوة الباطنة تحوي: التذكر والتدبر والتأويل.

3. القوة المبدعة تحوي: الحكمة والإبصار والتفقه.

أدوات اكتساب المعرفة وعلاقتها بالعقل

لقد أودع الله سبحانه في الإنسان نعمة العقل لتكون أداة توصل إلى معرفته سبحانه وتعالى، وليتدبر من خلالها آيات الله في كتابه المنظور وينتفع بها، كما يهتدي بآياته في كتابه المقروء.

أدوات المعرفة في التربية الإسلامية ثلاث هي: الوحي وهو أداة المعرفة في ميدانها الغيبي؛ حيث يقدم لنا الخبر الصادق عن مجاهيل الغيب والطلب إلى العقل والحواس للاستيقان من صدق هذه الأخبار، أما عمل العقل والحواس فهما أداتا السير المعرفي في ميدان الشهادة حيث يشهد الإنسان بصائر الوحي في الكون؛ وبتكامل أدوات المعرفة الثلاث يبلغ الإنسان الغاية الرئيسة وهي معرفة الله تعالى؛ فالوحي للعقل بمنزلة الضوء للمبصر، واجتهاد العقل والحواس للبحث في ضوء هذه البصائر كالاجتهاد في البحث عن الشئ الخفي في النهار أو الضوء، والاجتهاد بدون هذه البصائر كالبحث عن الشئ الخفي في الظلمة، ولذلك سمي النهار مبصراً في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وكذلك فإن وجود هذه البصائر مع غياب العقل والحواس أو قصورهما لا يوصل إلى المعرفة لأن الوضع يصبح عندئذ مثل النور المضئ أو الشمس المشرقة في حضرة الأعمى(22).

تحتل الحواس بوصفها مصدراً للمعرفة وطريقة لها أهمية كبيرة، ونظراً للمكانة التي تحتلها أدوات الحسّ في القرآن؛ فقد تكرر لفظ السمع ومشتقاته المتعلقة بالإنسان-139- مرة منفرداً، في حين تكرر لفظ البصر-106- مرة منفرداً، وجمع بينهما في مواضع كثيرة أخرى، وذلك يدل في مجموعه على أن السمع وسيلة أساسية في التعلم تفوق حاسة البصر من حيث الأهمية، ولأن حاسة السمع تستقبل الأصوات الصادرة من جميع الجهات في حين لا ترى العين إلا ما هو في حدود اتجاه العين وهو ما يسمى-vision field -، كما أن السمع كما هو معروف من تشريح الأذن بإن لها خاصية في التركيب وجود غشاء غضروفي خلف الأذن مما يتيح للأصوات فرصة الانتقال بالذبذبة؛ وبذلك يتم السمع دون حاجة توجه الجسم تلقاء مصدر الصوت، بخلاف البصر الذي لا يتم إلا من خلال الحدود سابقة الذكر، ومن ناحية أخرى فقد ذكر بعض الباحثين عدداً من الأسباب يمكن تلخيصها على النحو التالي:

1. السمع أهم من البصر في عملية الإدراك الحسّي والتعلم وتحصيل العلوم، ونحن نلاحظ أن فاقد البصر يمكن أن يتعلم اللغة وتحصيل العلوم، بخلاف فاقد السمع فإن من المتعذر تعلمه اللغة وتحصيل العلوم.

2. لقد جاء ذكر السمع مع العقل في بعض الآيات كقوله تعالى:" وقالوا لو كنّا نسمعُ أو نعقِلُ ما كنّا في أصحابِ السّعير "(الملك:10)، وغيرها مما يشير إلى العلاقة الوثيقة التي تربط السمع بالعقل.

3. دلّت الأبحاث الفسيولوجية الحديثة أن الطفل الوليد يسمع الأصوات عقب الولادة مباشرة، بينما يحتاج إلى فترة من الزمن كي يستطيع أن يرى الأشياء بوضوح.

4. مُيِّزت حاسة السمع بالعمل الدائم، دون توقف، بخلاف حاسة البصر، فإنها قد تتوقف عن أداء وظيفتها، بمجرد إغماض العينين، أو النوم، ولهذا فإن الله تعالى ذكر في قصة أهل الكهف أن ضرب على آذانهم، حين يستغرقون في النوم، فلا يوقظهم صوت(23).

من ناحية أخرى فقد دلت الدراسات الطبية على أن آخر حاسة تموت في الإنسان هي حاسة السمع كما أنها أول حاسة تعمل، وسماع بعض المرضى للأصوات وهم في حالة لا وعي سواء على أجهزة التنفس في أقسام العناية الحثيثة، أم في بعض حالات الغيبوبة.

أما من الناحية التربوية فعلينا مراعاة تكامل عمل الحواس والعقل؛" فالحواس التي لا تصاحبها قدرة عقلية واعية لا تستفيد مما تراه أو تسمعه، لقوله تعالى:"لهُم قلوب لاَّ يفقهونَ بها ولَهم أعيُن لاَّ يُبصرونَ بها ولَهُم ءاذان لاَّ يسمعونَ بها أُولئِكَ كالأنعامِ بل هم أضلُّ أُولئكَ هُمُ الغافلون "(الأعراف:179)، وتتناسب درجة الاستفادة من الحواس طبقاً للدرجة التي تنمو إليها القدرات العقلية "(24).

الملخص:

من المؤكد أن العقل هو الخصوصية التي أعطت للإنسان المكانة والميزة على المخلوقات الأخرى، والتي استوجبت سجود الملائكة لآدم عليه السلام سجود تشريف لا عبادة؛ مما يعني أن هذا العقل بما فيه من خصوصية حمل أمانة الخلافة وإعمار الأرض تستوجب خصوصية أخرى هي الإيمان والاتباع لمنهج الله وأوامره ونواهيه، كما أن مفهوم العقل كقدرة وإرادة- من حيث ارتباطه بالقلب- وما كشفت الدراسات العلمية الحديثة من قدرة العقل الباطن على حفظ المعلومات واسترجاعها، وما ينطبع بالقلب من صفات الشخصية والتي ظهرت على من أجري لهم عمليات زراعة قلب، مما يستوجب بمزيد من البحث في التوجيه القرآني، والحديث الشريف، وكتب التزكية للوصول إلى حقيقة العمليات التربوية التي تتم بها تنمية هذه القدرات للوصول بها إلى المستوى الذي يحقق قوله تعالى في أصحاب العقول الذين" يفقهون "و" يعقلون "و" يتفكرون "و" يتدبرون "، من أجل الرقي بإنسان التربية الإسلامية لمواجة تحديات الحاضر والقيام بمسؤوليات المستقبل، ولتحقيق غايات الحياة وعدم الاقتصار على معرفة وسائل الحياه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق